مشروع الشرق أوسطية والأمن القومي والإقليمي / الجزء الثاني

1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 Rating 0.50 (1 Vote)

لقد أثرت تلك التطورات على الوضع الاقتصادي العربي الذي بدأ مشتتاً متخلفاً مما يدعو إلي إعادة النظر في كل تلك الطروحات الغربية التي تهدف إلي أن يكون الاقتصاد العربي تابعاً للاقتصاد الغربي باعتباره النموذج الأمثل ، والقضاء على ما تبقى من أمل في قيام الوحدة العربية التي تمثل الحل الأساس لمختلف المشاكل التي تواجه المجتمع العربي . لذا فإن تلك التطورات المهمة قد جعلت الأمن القومي بل و الأمن الإقليمي في محك صعب ، حيث أنه أصبح مهدداً في كل جوانبه الاقتصادية و السياسية و الثقافية و أيضاً الاجتماعية و الإنسانية لعدة أسباب منها :

 

  1. ارتباطه بأمن الدول الغربية التي تختلف محددات أمنها و أهدافه عما يرمي إليه الأمن القومي العربي .
  2. وجود الكيان الصهيوني كشوكة في خاصرة هذا الأمن حيث أصبح الكيان العنصري الصهيوني يفرض نفسه كدولة معترف بها داخل هذا الإقليم عن طريق التهديد تارة و تارة أخرى بمساعدة أمريكا و الدول الغربية و سياساتها في المنطقة .
  3. القبول بمسميات الشرق أوسطية والشراكة المتوسطية يعني تماماً انصهار الكيان الصهيوني داخل هذا الإطار ، و يتم نسيان وتناسي العرب و الوطن العربي و الوحدة العربية بل و يتم تقطيع أوصال الوطن العربي الجيوبوليتيكية ، و هو ما يجعلنا نرى بأن ما جرى على الساحة طوال العقود الماضية و حتي الآن إنما يرمي إلي ذلك .

فلا شك في أن تكوين فضاء عربي يتم خلاله التكامل الاقتصادي والاجتماعي و السياسي هو الحل الأفضل خاصة و أن مكوناته موجودة تحتاج فقط للإرادة الشعبية و القرار السياسي السليم ، حيث يمكن بعد ذلك لهذا الفضاء أن يتعامل بكل ندية مع غيره من الفضاءات التي أصبحت تتشكل بفعل العولمة مثل الفضاء الأوربي ، الفضاء الأفريقي ، الآسيان ، كومنولث الدول المستقلة الخ . إن التعامل مع الظواهر الاقتصادية العالمية الأساسية التي تمثل ظاهرة العولمة الاقتصادية الآن أهمها ، يوجب على الأقطار العربية بأن يكون سلاحها للمواجهة أو حتى للانصهار فيه بشرف هو المشروع الاقتصادي العربي المتكامل الموحد ، إذ يتماشى ذلك مع لغة العصر التي أسقطت من حساباتها العديد من المفردات الغير ذات جدوى ، مثل الاقتصاد المحلي القوي ، والاعتماد على الذات المنفردة ، وفرض الجمارك و الرسوم بقصد تحصين الصناعات ذات المنشأ الوطني …، و أصبحت لغة العصر تتحدث عن التكتلات الاقتصادية الضخمة ، والشركات عابرة القوميات العملاقة ، التي أصبحت الآن المسيطر الحقيقي على الاقتصاد العالمي الذي جعلت منظمة التجارة العالمية (W.T.O ) سوقه سوقاً واحدة وفضاءه يشمل العالم بأسره أينما وصلت و تصل وسائل المواصلات و الاتصالات الحديثة .

التفكيك وإعادة التركيب المخطط :

يري بعض المتتبعين للسياق الذي تنتهجه العولمة بأن من أبرز مخاطرها فيما يتعلق بفرض آليات الهيمنة على النظام العربي انتهاج سيناريوهات ( الفك و إعادة التركيب ) (7) ، أي ما يتعلق بإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للوطن العربي بما يضمن الوجود الآمن لصنيعتهم ( الدولة العبرية ) التي نجحت الصهيونية و الامبريالية بإقامتها في فلسطين العربية و ذلك في الخامس عشر من مايو 1948ف ، بما يفضي في النهاية إلي تمزيق الوطن العربي إلي أقاليم جغرافية ذات انتماءات خارجية ، يتضمن ذلك أيضاً عزل و تهميش بعض البلدان العربية ، و الأهم من ذلك هو تحويل فلسطين من وضعها المحوري كرمز لحركة التحرر العربي لتصبح مجرد جسر لتحقيق الهيمنة الصهيونية في المنطقة ، ما يدعو إلي ضرورة التنبه إلي المفاهيم الجديدة و مدي مشروعيتها مثل ( المشروع الشرق أوسطي ) و ( الشراكة الأوربية / العربية ). كذلك فإن العولمة باعتبارها شكل من أشكال الهيمنة الغربية ، فإنها تعمل في نفس الاتجاه و ذلك من خلال إحكام الحصار حول مناطق الاستقلال الاقتصادي أو السياسي أو الحضاري عن المركزـ الذي يعد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي هو القطب الواحد المتمثل في أمريكا ـ ويتمثل ذلك في حصار الجماهيرية العظمى لفترة طويلة ، كما تم حصار العراق ثم تدميره و محاولة تفتيته ثم إعادة تركيبه بالطريقة التي تمكن من السيطرة عليه ، كذلك محاولة حصار و تفتيت السودان و تهميش مصر و تهديد سوريا وإيران الذي لا يزال مستمراً . إن احتمال ظهور قطب ثان وارد حضارياً من المنطقة العربية الإسلامية بإرثها الثقافي و التاريخي و الحضاري الطويل ، فالمركز لا يقبل إلا التبعية المطلقة من قبل الآخرين لضمان استقرار السوق (8) ، لذا فقد بات الحديث يتناول بإلحاح مفاهيم جديدة و مصطلحات أصبح استعمالها شائعاً خاصة بوسائل الإعلام المختلفة ، و هي السوق الشرق أوسطية ، أو ( النظام الشرق أوسطي ) كنظام هدفه المعلن هو التعاون الاقتصادي و السياسي بين دول المنطقة ، أما هدفه الحقيقي فهو إدخال تغييرات جيوبوليتيكية لقطع التواصل الجغرافي السياسي للوطن العربي و العالم الإسلامي . إن مشروع ( الشرق أوسطية ) هو أساساً مشروع الولايات المتحدة الأمريكية الذي يندرج في سياق محاولاتها لإحكام سيطرتها على المنطقة لتعزيز وضعها الاقتصادي من جانب ، و لتكريس هيمنتها على النظام الدولي في مواجهة القوى الصاعدة من جانب آخر (9) ، إلا أن هذا المشروع نشأ و ترعرع في كنف العملية التفاوضية بين العرب و ( الكيان الصهيوني ) التي انطلقت من مدريد في أكتوبر 1991 ف ، و قد اتخذت هذه العملية مسارين متوازيين ، أحدهما ثنائي بين الكيان الصهيوني و الأطراف العربية المعنية ( السلطة الفلسطينية – الأردن – سوريا – لبنان ) ، وثانيهما جماعي يضم دولاً من داخل المنطقة و أخرى من خارجها ، و ذلك بهدف إقامة ترتيبات إقليمية جديدة تتعلق بالحد من التسلح ، والأمن الإقليمي ، و تسوية قضية اللاجئين ، و المياه ، والتعاون الاقتصادي (10) . إذن فمبدأ التفكيك و التفتيت ثم إعادة التركيب وارد ، بل و ليس بشكل تلقائي أو بالصدفة ، إنما بشكل مخطط له و مبرمج وضعت له استراتيجية محكمة ، أدت العولمة إلي البدء بشكل جلي في تنفيذها ، فعندما تنهار و تغيب أكبر قوة كانت توازن قوة أمريكا و تجعلها تراجع تصرفاتها و تعيد حساباتها كلما أرادت القيام بعمل مثل هذا ، و عندما تشعر أمريكا بخطر هذه الأمة العظيمة بإرثها الحضاري و تراثها على أن تكون قطباً ثانياً يردع هيمنتها رغم ما يعتري الأمة العربية و الإسلامية الآن من ضعف ووهن ، عندها لابد و أن تعمل أمريكا و الصهيونية العالمية على تفكيك و تفتيت هذا الخطر الداهم كما تراه ، و حيث أن وقت الكولونيالية العسكرية قد ولّى وانتهى ، فإن في رسم و تنفيذ مثل هذه المشاريع المشبوهة ما يرغّب الآخرين في الانضمام إليها.

مقدمات و نتائج المشروع الشرق أوسطي :

من حيث أن المقدمات تدل على النتائج فان المقدمات الخاطئة تنج عنها نتائج خاطئة ، وحيث أن ما بني على باطل فهو باطل ، فإن المؤشرات جميعها تشير إلى أن هناك دلالات تؤكد على الهيمنة على النظام الإقليمي و القومي العربي ، فوجود الكيان العنصري الصهيوني في فلسطين وجد لمثل هذه الغايات التفتيتية و التهميشية من أجل السيطرة و بسط النفوذ ، وإن إحدى هذه الآليات المهمة و الخطيرة التي وضعت لهذا الغرض هي مشروع ( الشرق أوسطية ) بما يتضمنه من أبعاد اقتصادية وسياسية و ثقافية و أمنية .

عليه فإننا نشير هنا إلي بعض الحقائق المترتبة عما سبق و التي نذكر منها :

أولاً : إن التخطيط لما وصلت إليه الحالة العربية الآن قد بدأ منذ وعد بلفور المشئوم و الذي بموجبه تم زرع الكيان الصهيوني في قلب الأمة العربية في فلسطين حتي تكون هذه المنطقة من العالم تحت السيطرة المباشرة للغرب من أجل أهداف اقتصادية و سياسية و ثقافية معروفة للجميع .

ثانياً : إن ظهور هذه الترتيبات الإقليمية و التي أهمها ( مشروع الشرق أوسطية و الشراكة الأوربية / العربية أو المتوسطية ) و ما إليها ، إنما تتم في إطار عملية التسوية السياسية للصراع العربي الصهيوني و ذلك بما يؤدي إلي قبول هذا الكيان عربياً .

ثالثاً : إن العروبة هي حالة هوية و انتماء و شعور ، تؤدي في مجملها إلى تكامل يُظهر الشخصية القومية العربية ، أما المفاهيم الحديثة مثل الشرق أوسطية أو الشرق الأوسط فإنها إجراءات مؤسساتية تخلقها الظروف الاقتصادية و السياسية لبعض الدول التي لها مصالح في ذلك ، عليه فإن الدول ليس لها خيار بأن تكون أو لا تكون ضمن الحالة الأولي ، فالعروبة و القومية مسألة انتماء ، أما الحالة المستحدثة مثل الشرق أوسطية فالانضمام إليها من عدمه هو ذو طبيعة برجماتية .

رابعاً : إن التطورات العالمية الأخيرة قسّمت الأقطار العربية بطريقة تصوغ هندسة جغرافية جديدة للمنطقة ، تكون بها دول المشرق العربي محوراً لمشروع الشرق الأوسط ، ودول شمال أفريقيا تشكل قاعدة أساسية للمشروع المتوسطي ، فيما تكون دول الخليج العربي مرتبطة بمعاهدات استراتيجية مباشرة مع أمريكا ، فيما تهمش الدول التي لا تنصاع لذلك أو تكون خارج إطار محور الاهتمام .

خامساً: تهدف فيما تهدف هذه الإجراءات إلي إضعاف الشعور بالانتماء إلي الوطن العربي و القومية العربية ، فيما يحقق ذلك إن حدث ، كل الأهداف التي تليه و التي ترمي لها الامبريالية و الصهيونية .

سادساً : لا يمكن الخروج من هذه المآزق التاريخية السياسية والاقتصادية إلا برفض كل المشاريع المشبوهة و تكوين فضاء عربي اقتصادي و سياسي قادر على المحاورة بندية و قادر على الانضمام إلي أي فضاء اقتصادي أو سياسي آخر من الممكن أن يؤكد على كل ثوابت هذه الأمة المجيدة ويتيح فرصة للأقطار العربية للأخذ بزمام التنمية البشرية والاقتصادية .

الهوامش والمراجع