مشروع الشرق أوسطية والأمن القومي والإقليمي / الجزء الأول

1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 Rating 0.00 (0 Votes)

مقدمة :

بعيداً عن الخوض في النقاشات التي تدور أحياناً حول نظرية المؤامرة و الاختلافات في الآراء بين مؤكد على وجودها و بين معارض لذلك ، فأن استقراءنا للتاريخ يؤكد لنا دون مجال للشك بأن ما يدور الآن على الساحة العالمية ليس وليد الصدقة و ليس وليد اللحظة حيث أن كل حالة من الحالات الراهنة خطط لها بأن تكون كذلك ، فالخطوط و الخطوات الاستراتيجية مرسومة على مدايات بعيدة أما التكتيك فيتغير حسب ما يمكن أن يخدم تلك الاستراتيجية و حسب ما ييسر وصولها إلي الهدف المنشود . فمشروع الشرق أوسطية بكل خفاياه وأبعاده الاقتصادية و السياسية و كذلك الثقافية ليس حدثاً طارئاً بل هو مشروع قديم بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى سارت الأحداث الراهنة في إطار المنطقة المستهدفة بما يخدم التعجيل بظهور هذه الحالة . إن الأحداث الاقتصادية و السياسية التي تدور على الساحة العربية و ما حولها قد جعلت العرب ما يكادون يفيقون من صدمة إلا و أعقبتها صدمة أخرى ما جعل القادة العرب يرون ما كان يعد أمراً مستبعداً حقيقة واقعة تجسدها تفاصيل الحياة السياسية و الاجتماعية و هو ما يؤكد على أن الأمن القومي

و الإقليم ي مهدد تهديداً مباشراً ، حيث أن ذلك يدعو إلي خلق استراتيجية جديدة تتمشى مع عصر العولمة الذي رسم نظاماً عالمياً جديداً ذو أبعاد قديمة لا يستطيع التعايش معه إلا الواعون لما يدور حولهم المخططين لما ينقذهم من دوس سنابك العولمة . ومع علمنا بصعوبة تغطية هذا الموضوع من كل جوانبه و بكل تفاصيله إلا أننا سنحاول تسليط الضوء على بعض جوانبه التاريخية و السياسية و الاقتصادية و كيفية التصدي للأخطار الكامنة وراء هذا المشروع .

المفهوم المدرك لمصطلح الشرق الأوسط :

إن مصطلح الشرق الأوسط بمفهومه الجغرافي لا اختلاف عليه ، حيث أنه يشير إلي منطقة محددة على خارطة العالم معروفة للجميع ، لكنه عندما يكون نابعاً من خلفية سياسية رسمتها أُطر و حدود النظام العالمي الجديد فأن هذا المفهوم يتغير إلي معاني جيوبوليتيكية يفرضها ذلك النظام الجديد الذي وُضعت مقاييسه في النصف الأول من القرن العشرين ، بما يجعل الشمال أو الغرب يستفيد باستمرار من خيرات الجنوب . لقد أشار ” تشومسكي ” إلي أن التقسيمات الاقتصادية العالمية الموجودة الآن أفرزت ثلاثة مراكز قوية حتي و أن اختلفت درجة قوتها ، و هي أمريكا كطرف أقوى ثم تليها أوربا فاليابان ، أما باقي الدول فيضمها ما كان يسمى بالعالم النامي أو العالم الثالث ، والوطن العربي بطبيعة الحال ضمن هذا التصنيف الأخير، لقد أورد ( تشومسكي ) تقريراً صادراً عن هيئة تخطيط السياسية في الخارجية الأمريكية في عام 1948 – 1949 ف يقول : بعد الحرب العالمية الثانية تعززت أهمية الدور الخدمي التقليدي للجنوب بسبب التحقق من أن الأغذية و الوقود القادمين من أوربا الشرقية لم يعودا متوفرين للغرب بمستويات ما قبل الحرب ، لقد حُددت مكانة ووظيفة كل منطقة من قبل المخططين بحيث ستتولى الولايات المتحدة ، أمريكا اللاتينية و الشرق الأوسط مع مساعدة و كيلها البريطاني في الأخير ، و كان على أفريقيا أن تستغل لإعادة إعمار أوربا ، بينما يؤدي جنوب شرق آسيا وظيفته الرئيسية كمصدر للمواد الخام لكل من اليابان و غرب أوربا (1). من ذلك ندرك بأن ( الشرق أوسطية ) فكرة تم التخطيط لها قديماً رغم بروزها لواجهة الأحداث خلال العقد الأخير من القرن العشرين و ما تلى ذلك من سنوات ، حيث أصبح هذا المفهوم الجديد يحاصر أفكارنا و مسامعنا من خلال و سائل الإعلام المختلفة ليفرض علينا فهماً جديداً للمصطلح يجب علينا أن نتعامل معه و أن نتكيف معه مثلما أراد له الغرب أن يكون ، فوقع إعلامنا العربي كما وقع بعض مثقفينا في الشرك و أصبحوا يرددون مصطلح ( الشرق أوسطية ) كبديل عن الوطن العربي أو العرب أو القومية العربية أو الفضاء العربي . فالتقدم التكنولوجي و التدفق المعرفي و ازدياد و انتشار المعلومات عن طريق وسائل الاتصال الحديثة قد ساعد على انهيار المكان و الزمان و الحدود ، و ربما كاد أن يخلق قرية عالمية ، و لكن لا يمكن لكل فرد أن يصبح مواطناً فيها ، فالصفوة المهنية العالمية تواجه حدوداً منخفضة ، ولكن بلايين آخرين يجدون أن الحدود ليست أقل ارتفاعاً مما كانت عليه في أي وقت مضى (2).

تأكيدات التاريخ و مُعضلة الأمن القومي :

يشير البعض إلي أن ( الشرق أوسطية ) ـ كفكرة صهيونية ـ ظهرت لأول مرة في وثيقة أصدرها ” اتحاد اليهود ” بتاريخ 28 / 3 / 1948 ف و تضمنت التصاق فلسطين في اتحاد شرق أوسطي واسع(3)، فيندثر بذلك اعتبار فلسطين قطر من أقطار الوطن العربي يحق لشعبه المطالبة به أو النضال من أجل تحريره ، و بذلك فالشرق أوسطيه مصطلح سياسي النشأة و الاستعمال و لا ينبع من سمات المنطقة أو طبيعتها السياسية أو الثقافية أو الحضارية أو الجغرافية ، بل يمزق الوطن العربي و يرمي إلي رفض مفهوم القومية العربية ، فيفقد بذلك العرب حتي الأمل في قيام الوحدة بين أقطارهم ناهيك عن العمل على تحقيق ذلك ، و في المقابل فإن فكرة (الشرق أوسطية ) تضفي الشرعية على الوجود اليهودي في فلسطين ، ما يدل على أن هذا المصطلح بمفهومه الحالي صهيوني النشأة وضع لخدمة أغراض الصهيونية و الإمبريالية . إن مشروع ( الشرق أوسطية ) مشروع أمريكي / صهيوني بكل ما يعني ذلك من أبعاد استعمارية ، وقد ظهر ذلك جلياً في السنوات الأولى من العقد الأخير من القرن الماضي عقب انهيار الاتحاد السوفيتي أو ما كان يسمى بالمعسكر الاشتراكي ، حيث أطلقت يد الولايات المتحدة الأمريكية كقطب أوحد و مركز للقوة الاقتصادية والسياسية ، فبدأت بإعادة ترتيب الأوراق بالشكل الذي يخدم مصالحها ومصالح أتباعها فأدى ذلك إلى انتشار وذيوع مصطلح ( الشرق الأوسط ) خلال تلك الفترة كإطار للتعاون الإقليمي في المنطقة ، و يرجع بعض المختصين ذلك إلي إطار المفهوم ( الصهيوني ) لعملية التسوية التي شهدتها المنطقة . إن هذا المفهوم ارتبط باسم ( شيمون بيريز ) – رئيس وزراء صهيوني سابق – منذ عام 1967 ف على الأقل ، فقد طرحه لأول مرة في المقال الذي شارك به في عدد خاص أصدرته مجلة ” الأزمنة الحديثة ” الفرنسية في أعقاب حرب 1967ف بعنوان ” يوم قريب ، يوم يعيد ” و الذي طرح فيه أهمية التعاون الاقتصادي بين دول المنطقة كضمان لتحقيق الأمن و الاستقرار ، و بحكم الظروف السياسية التي سادت المنطقة وقتذاك فإن هذه الفكرة لم تلق رواجاً (4) . وفي العقد الأخير من القرن العشرين أيضاً ، اثر انتهاء الحرب الباردة ، حدثت العديد من التطورات الدولية و على المستوي الإقليمي كانت لها آثارها على الاقتصاد العربي ، كان أولها توقيع اتفاقيات الجات في مراكش عام 1994 ف و الذي جاء كنتيجة لانتهاء جولة الأورغواي ثم قيام منظمة التجارة العالمية ( W.T.O )عام 1995 ف ، لتحرير تجارة السلع و الخدمات و انتقال رؤوس الأموال كما تهدف إلي تدويل الحياة الاقتصادية ، أو ما يسمى بالعولمة ، التي يراد أن تخضع لها جميع دول العالم (5) ، أما ثاني تلك التطورات فكان ذا أبعاد اقتصادية و سياسية تهدف في مجملها إلي إدماج الكيان الصهيوني في منطقة المشرق العربي و شق وحدة الصف العربي و هو مشروع ( الشرق أوسطية ) الذي ابتدأ مع سراب التسوية السلمية عام 1994 ف ، حيث عقدت له العديد من المؤتمرات و الندوات التبشيرية منذ مؤتمر الشرق الأوسط و شمال أفريقيا الذي عقد بالدار البيضاء في أكتوبر 1994 ف ، مروراً بعمان 1995 ف و القاهرة 1996 ف وإلى الدوحة عام 1997 ف . ويعد التطور الثالث مسانداً لما قبله من تطورات و التي ساهمت في مجملها في خلق سياق عام لتفكيك و تشتيت الاقتصاد العربي ، بل ذهبت لأبعد من ذلك على المستوي السياسي و الأمني ، و أتفق على تسمية هذا التطور الثالث ( بإعلان برشلونة ) الذي جاء اثر انعقاد برشلونة الوزاري للشراكة الأوربية/العربية المتوسطية في الفترة من 27 إلي 28 / 11/1995 ف ، لقد كان ( مخطط برشلونة ) عبارة عن فكرة أوربية كانت معقولة في بدايتها حيث كان يطلق عليها مجموعة 5 + 5 أي خمسة دول أوربية مطلة على البحر المتوسط و خمسة أقطار عربية مطلة أيضاً على البحر المتوسط ، ثم كان التوسع الذي جاء نتيجة لإعلان برشلونة حيث أصبحت هذه المجموعة تضم كل دول الاتحاد الأوربي و الأقطار العربية في شمال أفريقيا و كذلك الدول المطلة على البحر المتوسط من الشرق ، حيث وضع إطار تنظيمي لمعالجة العديد من القضايا من أهمها الشراكة السياسية و الأمنية ، و الشراكة الاقتصادية و المالية ، و الشراكة الثقافية و الاجتماعية ، و كذلك ما يتعلق بالقضايا الإنسانية (6) .